المقالات

*الوفاء جوهرة الأخلاق الثمينة* 

قلم : محمد مبارك البريكي

-

الوفاء قيمة إنسانية نبيلة تعبر عن صدق العهد والإخلاص في العلاقات. وهو صفة حميدة تتجلى في الالتزام بالوعود والعهود، سواء كانت تجاه الأفراد أو المبادئ أو القضايا. الوفاء يعزز الثقة ويقوي العلاقات الاجتماعية، ويساهم في بناء مجتمع سليم ومتماسك.

الوفاء من أخلاق السلوك الاجتماعية العظيمة، فهو وصية نبوية، وقيمة قرآنية، حيث أولى القرآن الكريم هذه القيمة عناية فائقة؛ لما لها من عظيم الدلالة في تزكية النفوس، وصفاء الفطرة، وسلامة الإيمان. وقد رغب الله تعالى بالوفاء بالعهود بما أعد الله للمتمسكين بهذا الخلق من الثواب، وبما أثنى به عليهم في محكم الكتاب، قال تعالى: ﴿ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما﴾

وبمعنى آخر؛ الوفاء صفة إنسانية جميلة، عندما يبلغها الإنسان بمشاعره ومحسوسياته فإنه يصل لأحد مراحل بلوغ النفس البشرية لفضائلها، والوفاء صدق في القول والفعل معاً، والغدر كذب بهما، والوفاء يلزم القيم السامية والمثلى للإنسان، فمن فقد عنده الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته، وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس.

إن للوفاء أنواعًا عديدة، فباعتبار الموفَى به هناك: الوفاء بالوعد، الوفاء بالعهد، الوفاء بالعقْد.

وباعتبار الموفَى له هناك: الوفاء لله، الوفاء لرسوله صلى الله عليه وسلم، والوفاء للناس.. وسنخص بالذكر هنا الوفاء مع الناس.

إن الحديث عن الوفاء مع الناس حديث ذو شجون؛ فكم من الناس وعَدَ ثم أخلف، و عاهد ثم غدر.

إن رسول الله – سيد الأوفياء -صلى الله عليه وسلم، كان وفيًّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذىً، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها، فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدًا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحرم وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة.

عندما يُمارس الوفاء في العلاقات، يبدأ تأثيره في الظهور بشكل واضح. الوفاء ليس مجرد كلمة بل هو سلوك يتجسّد في الأفعال اليومية. من خلال الإخلاص والالتزام، تُبنى علاقات قوية ومستدامة تستطيع مواجهة التحديات معًا.

يتطلب الوفاء أيضًا تعزيز الثقة والاحترام في العلاقات. فكلما أظهر الأفراد ولاءهم والتزامهم، زادت مستويات الثقة بينهم. يرى الناس أنه يمكنهم الاعتماد على بعضهم، مما يسهم في تحسين تواصلهم

ويدخل في إطار الوفاء المطلوب من المسلم: الوفاءُ لماضي الأمة وتراثها وتاريخها، فلا يجوز للمسلم أن يتنكر لماضيه، فالذي ليس له ماضٍ لا مستقبلَ له، والوفاء لماضي الأمة وتراثها لا يعني تقديس هذا الماضي وتبرئته من كل العيوب، وإنما المقصود هنا ألا يفصل المرء بين يومه وأمسه، فالزمن حلقات متصلة، ومن أجل ذلك لا يجوز أن تكون هناك قطيعةٌ مع هذا الماضي؛ لأنه يشتمل على الجذور، وفصل جذور الشجرة عن ساقها يُميتُها.

إذًا الوفاء للماضي يعني الحفاظ على الهُويَّة، وتنمية الإيجابيات التي يشتمل عليها الماضي وتجنب السلبيات، إضافة إلى مراعاة متغيرات العصر، وهذا ما يطلِق عليه البعض الجمع بين الأصالة والمعاصرة.

إن الوفاء للمملكة العربية السعودية يعني الإخلاص والولاء لها. يشمل ذلك تقدير دورها ومكانتها، والالتزام بقيمها وتقاليدها، والمساهمة في نهضتها وتقدمها. الوفاء للمملكة العربية السعودية هو واجب وطني وشرعي على كل مواطن سعودي، وهو تعبير عن الانتماء والفخر بالوطن.

محمد مبارك البريكي


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com