المقالات

( الإصلاح في الإسلام )

د. احمد الشهري

بسم الله الرحمن الرحيم
رغب الإسلام وحث على إصلاح أحوال الناس اقتصادياً واجتماعياً،
فقال تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
في مطلع الآية الكريمة حثٌ على الصدقة، وفي هذا إشارة إلى أهمية إصلاح أحوال الناس اقتصادياً، وفيها ذكر المعروف والإصلاح بين الناس، وهذا يشير إلى إصلاح ذات البين، وإصلاح أحوال الناس اجتماعياً، قال السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: والإصلاحُ لا يكون إلاَّ بين متنازعينِ متخاصمينِ، والنِّزاع والخصام والتغاضُب يوجِب من الشَّرِّ والفرقة ما لا يمكن حصرُه؛ فلذلك حثَّ الشارع على الإصلاح بين الناس في الدِّماء والأموال والأعراض، انتهى.

وحَثَّ الشَّرعُ الحَنيفُ على الإصلاحِ بيْن النَّاسِ ورغَّبَ فيه، حتَّى وإنْ تحقَّقَ ذلكَ بالكذِبِ؛ وذلك لِمَا يَعودُ بالمصْلَحةِ على المُتباغِضينَ والمُتخاصِمينَ، وإخمادِ رُوحِ العَداوةِ، وإزالةِ الخُصوماتِ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس فينمي خيرًا، أو يقول خيرًا )، بل هذا محسنٌ، لأنه يقصد بكذبه الصلح بين الناس، فيقول لأحدهما: إن صاحبك يمدحك ويثني عليك-وصاحبه لم يفعل- وما أشبه ذلك من الكلمات، فإن ذلك لا بأس به، وهذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول، ومجاوزة الصدق، على وجه الإصلاح وطلب الخير، قال تعالى:( والصلح خير ).
وإن استعمل المصلح التَّورية فحسن، بمعنى أن يظهر للمخاطب غير الواقع، ولكن له وجه صحيح، كأن يعني بقوله مثلاً: فلان يدعو لك، أي: لجنسك وأمثالك من المسلمين، وهذا صحيح، فالإنسان يدعو لكل عبد صالح في كل صلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إنكم إذا قلتم ذلك )ـ يعني قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ـ ( فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ).
وانظر إلى أجر المصلح الناصح الصادق الذي عندما يرى الجفاء والتنافر والحقد بين المسلِمَين، لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يسعى جاهداً، كل همه إرادة الإصلاح، يبتغي بإصلاحه مرضاة الله، ويرجو ما عنده من الفضل والعطاء، قال السعدي رحمه الله: والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة، ومن الصائم والمتصدق، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله، كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصوده، كما قال تعالى: ( إِنَّ الله لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )، والأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال تعالى:( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )، فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد بإصلاحه وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا، لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل، والله عليم خبير، قال تعالى:(…إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ).
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com