الخطأ المبرر والخطأ المذموم :حديث النفس: لماذا يظلمك الاخرون؟
بقلم د. محمد بن احمد المرواني

-
كثيرًا ما نُفاجأ في حياتنا اليومية بتصرفات تحمل في طياتها ظلمًا فجًّا، يأتي من أناس مقربين إلينا، أو ممن نعمل معهم في محيطنا المهني. نُصاب حينها بالذهول، ونطرح تساؤلات متكررة: لماذا هذا الظلم؟ كيف يقبل شخص على نفسه أن يستغلنا؟ كيف يمكن لإنسان أن يرتكب أخطاء جسيمة – تصل إلى السرقة، الاحتيال، أكل المال بغير وجه حق – ثم يمضي في حياته بلا حرج أو تأنيب ضمير؟
هذه الأخطاء لا تقتصر على الجوانب المالية، بل تمتد إلى عمق العلاقات الأسرية والإنسانية. فقد نُصدم بغش من أحد أفراد العائلة، أو بخيانة من شريك، أو باستغلال من شخص افترضنا فيه القرب والثقة. هذه الحالات تحصل كثيرًا في الحياة العامة، لكنها تترك أثرًا عميقًا عندما نكون نحن الضحايا.
فعندما نبرم اتفاقًا لإنجاز عمل معين مقابل أجر محدد، ويُخل الطرف الآخر بالتزامه، أو يماطل في الدفع، أو يتجاهل الاتفاق كليًّا، نشعر بالمرارة. هذا الأمر لا يحدث فقط بين الأفراد، بل يتكرر في عالم الأعمال؛ حيث تستغل بعض الشركات الكبرى أو أصحاب النفوذ ممن يملكون سلطة القرار والمال الأطراف الأضعف، وتُخضعهم لشروط مجحفة وتفسيرات ملتوية للعقود.
كذلك، هناك من نستأمنه على مهمة أو أمانة، وندفع له مقابل إنجازها، ثم لا يُنجزها كما اتفقنا، ويقبل لنفسه التقصير. هنا نبدأ بالتساؤل: لماذا لم يُخلص؟ كيف يرضى بهذا التقصير؟ وكيف يتعايش مع هذا النوع من الخيانة المهنية؟
أما على المستوى العاطفي والإنساني، فالأمر أكثر تعقيدًا. نتعرض للخيانة، للطعن، للغدر، لإفشاء الأسرار، ولسوء المعاملة من أقرب الناس. والأصعب من كل ذلك، أن هذه الأفعال تأتي ممن كنا نعتقد أنهم الأقرب إلينا احيانا، من كنا نعدّهم خير صديق، خير زوج أو زوجة. حينها، تتساقط الثقة، وتتبعثر علامات الاستفهام في أذهاننا: كيف استطاع أن يفعل ذلك؟ لماذا؟ بماذا برر هذا التصرف؟
وفي علاقات الحب، قد يخون أحد الأطراف، ويبقى الآخر في صدمة عاطفية طويلة. يتساءل: لماذا؟ كيف؟ ما الذي جرى؟ إنها الخيانة، أمر لا يُحتمل ولا يُبرر، ومع ذلك تحدث باستمرار، وبأشكال متعددة.
ولكن، هل نحن دائمًا الطرف المظلوم؟
لنتوقف قليلًا ونُمعن النظر. في كثير من الأحيان، حين نُبرم اتفاقًا مع شخص ما، ثم نشعر لاحقًا أنه لم يُنصفنا، نُقابل ذلك بعدم الالتزام أو الإهمال. نقول في أنفسنا: “لا أستحق هذا الظلم، لذلك لن أُتم العمل كما يجب”. وفي العقود التي يضغط علينا فيها الطرف الآخر، نُقرر أن لا نبذل جهدًا أكبر مما يُدفع لنا، بحجة أن الأجر لا يوازي الجهد.
نفس الأمر ينطبق على علاقاتنا الاجتماعية. حين نبوح بسر لصديق، فنستصغر قيمة السر و نقلل من اهميته، لنُبرر لأنفسنا أن إفشاء أسراره أمر مقبول. الزوج أو الزوجة، حين يشعر أحدهما بأن الآخر لا يهتم به كما كان في بداية العلاقة، يبدأ بتبرير تقصيره، أو حتى خيانته، بحجة: “أنا لم أجد الحب، لم أجد التقدير، لم أُعامل كما أستحق، أحتاج من يراعيني، من يدللني، من يُشعرني بقيمتي، احتاج الى امرأة تتجمل لي ، امرأة تضحك و تفرحني”.
وهنا تكمن الحقيقة الكبرى: كلنا نُخطئ، ولكن الغالبية العظمى تبرر أخطاءها. نميل إلى القول: أنا أستحق الأفضل، لم أُعامل بعدل، لم يُعطني حقّي أحد. أما الطرف الآخر، فنصفه بالظالم، المتخاذل، الجاحد، المقصر ماديًّا وعاطفيًّا اذا اقدم على ما اقدمنا عليه.
هذه طبيعة بشرية مغروسة في أغلب الناس: الميل إلى تبرير الأخطاء الذاتية، وتضخيم أخطاء الآخرين. نرى العيوب الصغيرة في غيرنا كجرائم لا تغتفر، بينما نُعفي أنفسنا من المسؤولية، بل ونُجمّل أخطاءنا ونعطيها أسماءً مخففة و نجد لها تبريرا يريح ضمائرنا وفق هوانا.
وقد نكون في بعض الأحيان نحن من ارتكب الخطأ، لكننا نُبرره ونُصر على أننا الضحية. نُخفي هذا التناقض بعبارات نُكررها في داخلنا: “أنا لم أبدأ، هم الذين ظلموني ، أنا فقط أخذ حقي، أنا لست مثلهم، أنا صادق، أنا أُعامل الناس بالعدل”.
الخلاصة التي يجب أن نتوقف عندها، أن أخطاءنا – في نظرنا – مبررة دومًا، بينما أخطاء الآخرين مذمومة، حتى لو كانت أفعالنا هي الأشد خطورة. وفي المقابل، قد يكون من نصفهم بالمذنبين، هم في الحقيقة أصحاب حق، ونحن المخطئون.
فإن أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، وعادلين في أحكامنا، فلابد أن نضع أنفسنا مكان الطرف الآخر، ونتجرد من الأنانية، ومن غريزة تبرير الذات. يجب أن نُراجع أفعالنا بصدق، ونحاكم أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا.
إن فعلنا ذلك بصدق، دون تحيّز أو تحايل على الحقيقة، سنكتشف أن كثيرًا مما نراه ظلمًا من الآخرين هو حقهم المشروع، وأن كثيرًا مما نراه حقًا لنا، ما هو إلا خطأ نُغلفه بالتبرير.
ولعلنا بذلك نصل إلى المرحلة التي نُفرّق فيها بوعي وضمير بين الخطأ المبرر، والخطأ المذموم.
لكن، هل نستطيع حقًا الوصول إلى تلك المرحلة؟ نعم، إن أردنا. لكن علينا أن نستخدم ذات الميزان، على أنفسنا كما على الآخرين.
فهل في ضميرك إلى ذلك من سبيل. ؟
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
لله درك الكاتب المبدع الأديب الكبير الدكتور محمد بن أحمد بن غنيم المرواني الجهني الحقيقة مقال جميل ورائع بكل ما تحوي من معنى وهذا غير مستغرب من كاتب تعودنا على مقالاته المتميزة دوماً ولعل مايميز مقالات كاتبنا وأديبنا الدكتور محمد بن غنيم هو ملامسة واقعنا المعاش وكأنه بمقالاته يلامس همومنا ويتجاذب معنا أطراف المعاناة وبالتالي نجده يترجم مشاعرنا واحاسيسنا عندما يقوم بكتابة ماتختزنه نفوسنا ولكن لانستطيع نحن كتابته والتعبير عنه ونجده يقول مانود قوله ولكن لا نملك الطريقة للإفصاح عنه وهذا المستوى الكتابي لإيصل إليه إلا كاتب عاش هموم الناس وتعمق بتفاصيلها وأدرك كل فعل وماله من ردة فعل وأصبح يستطيع معرفة ماوراء الأقنعة ولديه القدرة على قراءة لغة العيون ومعرفة الوجوه المزيفة والوجوه البريئة حتى لو لم تتحدث . دمت كاتبنا وأديبنا ودام مداد قلمك الرصين النابض بالابداع والمرتوي من معين الثقافة والمعرفة نسأل الله لنا ولكم دوام التوفيق والسداد