
-
تقف المملكة العربية السعودية اليوم شامخة بين الأمم، تستمد قوتها من جذورها التاريخية العريقة، وتمضي بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق. وما أجمل أن نرى هذه الرحلة المتفردة متجسدة في صورة تبعث على الاعتزاز والطموح، صورة واحدة تجمع بين رمزين عظيمين: قصر المصمك التاريخي الذي يعبر عن أصالة الماضي، ومنشأة نووية حديثة تمثل طموح الحاضر واستشراف المستقبل.
لقد بُني قصر المصمك في عام 1865م بأمر من الإمام عبدالله بن فيصل آل سعود – رحمه الله، ليكون قلعة دفاعية في قلب نجد. وقد شهد هذا الصرح التاريخي نقطة تحول مفصلية عندما استعاد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – مدينة الرياض في عام 1902م، في لحظة فارقة أعادت رسم خارطة الوطن، ومهدت الطريق لتوحيد المملكة تحت راية واحدة. واليوم، يقف المصمك شامخًا كرمز للوحدة الوطنية والعزيمة السعودية التي تجاوزت التحديات وأسست دولة عصرية قوية.
وبذات الروح التي حملها المؤسس حين دخل المصمك، تتوجه المملكة اليوم نحو مجالات جديدة من التميز، وفي مقدمتها مجال الطاقة النووية. فمنذ إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة عام 2010م، وضعت المملكة قدمها بثبات في مضمار التكنولوجيا النووية، واضعة نصب عينيها هدفًا استراتيجيًا يتمثل في تنويع مصادر الطاقة، وبناء اقتصاد معرفي مستدام.
وقد توّجت هذه الجهود برعاية كريمة من سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – الذي دشن أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة داخل المملكة، ليكون نواة لمشاريع طموحة تهدف إلى تطوير الطاقة النظيفة، وبناء الكفاءات الوطنية، وتمكين المملكة من لعب دور ريادي عالمي في قطاع الطاقة السلمية.
ولا تتوقف المسيرة هنا، فالمملكة – حرسها الله – تخطو نحو بناء أولى محطاتها التجارية للطاقة النووية، بعد توقيع اتفاقية تاريخية في عام 2025م مع الولايات المتحدة الأمريكية للتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وتندرج هذه الخطوة ضمن أهداف رؤية السعودية 2030، الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتوسيع نطاق الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة.
البرنامج النووي السعودي لا يسعى فقط إلى توليد الكهرباء وتحلية المياه، بل يهدف أيضًا إلى توطين المعرفة ونقل التقنية، وتوفير فرص عمل نوعية لأبناء الوطن، وترسيخ معايير الأمان النووي والشفافية، بما يتماشى مع التزامات المملكة الدولية.
إننا حين ننظر إلى هذا المشهد العظيم – الذي يجمع بين طين المصمك وحداثة المفاعل النووي – فإننا لا نرى مجرد تباين زمني أو رمزي، بل نقرأ حكاية وطن. وطنٌ بنى مجده على أصالة الماضي، ويشيد مستقبله على أساس من العلم والمعرفة. من المصمك، حيث البدايات، إلى المفاعل النووي، حيث المستقبل، نُسطّر قصة نهضة ملهمة طموحة.
صورة تختزل عقودًا من التضحيات والنجاحات. فكل حجر في جدران المصمك يشهد على بسالة الرجال الأوائل، وكل صفيحة فولاذية في المفاعل تحمل توقيع أبناء هذا الجيل الذين تربوا على المجد والطموح، والإنجاز.
نحن أمام مرحلة مفصلية من تاريخ الوطن، تبرز فيها السعودية العظمى، تلك التي تدمج بين الإرث الحضاري والابتكار العلمي، وتقدم للعالم نموذجًا تنمويًا متكاملاً، يوازن بين الهوية والانفتاح، وبين الأصالة والتجديد.
مسيرة مباركة تدعو للفخر، وتغرس في الأجيال القادمة روح العزيمة والاعتزاز بهذا الوطن العظيم وولاة أمره أيدهم الله. فكما وقف المصمك شامخًا عبر القرون شاهداً على ولادة المملكة العربية السعودية، ستقف منشآت الطاقة النووية شاهدة على مرحلة جديدة من التطور والازدهار.
ومن هنا، من المصمك إلى الطاقة النووية، نُجدد العزم ونمضي بثقة نحو المستقبل، نبنيه بسواعدنا، ونحميه بوعينا، ونرسم ملامحه برؤية قيادة لا تعرف المستحيل.
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.