شكراً أيها الشريف

-
في رحلتنا نحو الحياة نَشقُّ طريقنا في التواءاتها ، دون أن تكون لنا يدٌ في فلسفة النهايات وصياغتها ، نلتقي ، ونفترق ، نمضي ، ونتوقف ، نعبر ، ونرحل ، كل هذه المحطات المتفرقة حتماً لا يدَ لنا في رسم أبعادها وملامحها ، تأتي كما قُدّر لها أن تكون ، ولكن قد تمكث في ذاكرتنا أمكنة وحكايات ، وأناس ، ومواقف رَسَمَتْ ملامحها تلك الرحلة العميقة في خطوات حياتنا ، دون أن تذوبَ في زحمةِ العابرين ، أو تسقطَ في أوراقنا الممتلئة بوجوه الراحلين، وذكرياتهم .! ولكن اللحظةَ الأكثرَ إيلاماً ، أن تلتقي بقامات وشخصيات تثري مسيرتك، وتصنع لك بُعْداً عميقاً في تاريخك المهني ، وتغادرك بصمتٍ ، يملأ طريقك حياةً وعطاءً ودهشةً ، وكأنه معزوفةٌ خالدةٌ جاءت من أقصى الحياةِ لتسكنك بهدوء ثم ترحل.
هكذا جاء أحمد عبدالرحمن الشريف مدير مكتب تعليم المجاردة المعلم والتربوي القدير ، والصديق الممتلئ بالابتسامة والحياة ، صنع في طرقاتنا روحاً مختلفةً وعطاءً متقداً ، ومسيرةً تتجاوز الثلاثين عاماً في ميادين التعليم ، فبعد هذه الرحلة الممتدة من العمل والعطاء ، قرر أن يضع (شمساً) في آخر سطر من سطور الوهج ، ثم يغادر ، وأن يرسمَ وجهاً آخر للعطاء وبُعْداً عميقاً لروح العمل التي يخطها في مسيرة العطاء لثلاثة عقود مضت ثم يلملم وهجه ويمضي.
أحمد عبدالرحمن الشريف ، تربوي برتبة (وطني) حين يحضر في ميادين التعليم يشعرك أن العمل روحٌ وحياةٌ ووطن ، يصنعُ اللحظةَ في مدارسنا بابتسامة ، يحاورك بنضج تربوي ، وخبرات عميقة ، وروح مليئة بالحياة، هذا البعد والعمق في علاقة أحمد عبدالرحمن الشريف بالميدان التربوي ومنسوبيه ، ليست خياراً وأجندةً مهنية ينفذها وفق خطة معدّة مسبقاً، بل هي ثقافة وقيم راسخة صنعها بتلقائية مبهرة في سياسة العمل التربوي، ليتجاوز رتابة منظومة العمل ويقفز بعيداً في مهارات التواصل المهني والوظيفي مع زملائه في الميدان التربوي ، لذلك نحن أمام قامة تربوية تستحق الدراسة ، وأن نغوص كثيراً في ثقافة العمل لديه وروح المهنية التي كان يصافحنا بها كل صباح حين نلتقيه في مدارسنا !
فالقامات التربوية الخالدة في الميدان التربوي حتى بعد أن تمضي من بين صفوفنا ومكاتبنا ، يجب أن نسافر طويلاً في نضجهم وتفكيرهم ونُخْصِعَ تلك القدرات المهنية العالية لديهم للدراسة ، ونستعين بعقولهم لنستحضرهم في مواقفنا التربوية ، فأحيانا نحن لا نحتاج أوراقاً نستند إليها في مهامنا العملية ، بل نحتاج عقولاً وخبرات نرجع إليها في إدارة المواقف التربوية.
نحن الآن نودع هذه القامة التربوية بعد أن أقفل السطر الأخير من العطاء ، وأغلق كتابه المزدحم برحلة التعليم ، ووضع ملامحه الأخيرة فوق سطورنا ، ليترك لنا الباب مشرعاً نصافحه بحب، ونمنحه شيئاً من ثقافة الوفاء التي تعلمناها من مسيرته ورحلته وعطائه، فشكراً أيها الشريف، لتلك الرحلة المليئة بالحياة والعطاء، فنحن ندرك أن في المحطة الأخيرة من مسيرة العمل قد تتلاشى من ذاكرة المجتمع المهني الأسماء بعد ( التقاعد) وتسقط بالتقادم ، إلا أن في حالة أحمد عبدالرحمن الشريف ، نؤمن أنه سيبقى خالداً في ذاكرة التعليم في محافظة المجاردة وبارق ، وسيبقى نموذجاً متفرداً في ذاكرتنا لن تطويه يد النسيان.
محمد الفقيه الشهري
معلم وكاتب وأديب
اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.