المقالات

*امرأةٌ لعزيز تتقن فنّ الحضور والوداع معًا*

للكاتبة: مـيّ بنت فلاح الحارثي

-

جميعُنا مُتحدثونَ لائقون صحيًّا لإتمامِ مهامِ الحديثِ الدنيوي،

نمضي في الحياةِ كأننا نُتقن فنّ الحضور،

نضحكُ ونصنعُ البداياتِ بمهارةِ العابرين،

لكننا، ما إن نصل إلى الوداع،

حتى ترتجفُ أناملنا كأنها تعزفُ لحنًا أخيرًا على أوتار الأرض.

 

كأن الكلمات تخجل من نفسها،

كأنها تعرف أن الفقد ليس نصًّا يُكتب، بل غصة تُرتّل.

أرى الأهداف تتوالى وتترامى كطيورٍ تُحلّق نحو الشمس،

وأراك تسمو بلا مقدمة،

كقمرٍ قرر أن يغيب قبل موعده.

 

المشاعر تطير حول قلبي،

كفراشاتٍ هاربة من حريق،

تحوم، تحترق، ثم تختفي في صمتٍ نبيل.

 

كم هو مؤلم أن نُحسن البقاء ونحن نعلم أن الرحيل أقرب،

أن نرتّب الكلمات في سطور أنيقة،

ثم ننسى أن نترك بينها مساحة للبكاء.

 

أرى الأسماء التي نطقتها يومًا بحنان:

نمارق، سطّام، والآخرون الذين حملوا قلبي في حقائبهم.

ينزحون عن طريق كلمة “وداعًا”،

كأنهم نخيلٌ يأبى الانحناء للريح.

أبناء الحنين لا يلوّحون، بل يختفون على مهل،

تمامًا كما تفعل الأغاني حين تنطفئ في منتصف الحنين.

 

هل لا زلت تفكر في تلك الكلمات؟

أم أنك وضعتها في صندوق النسيان،

كما تضع الرسائل اليومية جانبًا دون أن تفتحها؟

لم تكن تعني لك الكثير،

لكنها كانت بالنسبة لي مرآةً أرى فيها وجهي،

نبضي، وحضوري في حياتك.

 

أما زالت كلماتك تحن إليّ؟

أم هجرتَ الأبجدية كما هجرتَ قلبي؟

لا بأس…

أنا من يعرف كيف يصنع من الغياب قصيدة،

ومن الذكرى وطنًا لا يُمحى من الخيال.

 

إلا تعرف فن السجع؟

إن سجّعتُ بمفرداتي حتى أصل إلى موقع الألم،

ألتمس الحروف وأخاطب الكلمات،

أتناغم على شكل قلبٍ يحترق صمتًا،

ثم أتركها في مكانٍ آخر،

هناك، حيث لا ضجيج ولا صوت،

في هدوء الذكرى التي تترك لها الأثر.

 

عندما يكون الوداع حديثًا،

نُقحّم فيه السطور كمن يخطّ على صفحة العدم،

عندما يكون الألم مرفقًا بكلمة واحدة،

نغلق الأبواب، ثم نعيد إغلاق القلب على بقايا الكلمات.


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com