المقالات

*التخصص الجامعي وفرص العمل.. حين يصبح الحلم أمام جدار الواقع*

مع كل عام دراسي، يتدفق آلاف الطلاب والطالبات إلى الجامعات بشغف وطموح لمستقبل مهني واعد. يحملون أحلامًا كبيرة بأن تخصصهم الدراسي سيمنحهم فرص عمل مستقرة ومرضية بعد التخرج. لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا، فالكثير من الخريجين يكتشفون أن الطريق إلى الوظيفة ليس مفروشًا بالنجاح كما توقعوا، وأن تخصصاتهم لا تتوافق مع الفرص المتاحة في سوق العمل.
المشكلة تتفاقم بشكل واضح في بعض التخصصات، مثل مجال التدريس، حيث توجد قوائم انتظار هائلة للمعلمين والمعلمات، وبعضهم تجاوز الانتظار فيها أكثر من خمس سنوات. إضافة إلى ذلك، هناك معايير قبول صارمة مثل اجتياز اختبارات القياس، مما يزيد من صعوبة الحصول على وظيفة حتى بعد التخرج. وهذه التحديات تجعل من الصعب على الخريج ممارسة تخصصه، ويضطر الكثيرون للانتظار الطويل أو قبول وظائف لا تتوافق مع مؤهلاتهم.
في المقابل، هناك مجالات أخرى في السوق تحتاج إلى كفاءات ومهارات عالية، لكنها لا تلقى نفس الإقبال، مما يشير إلى وجود خلل في توزيع التخصصات حسب الحاجة الحقيقية لسوق العمل. لذلك، من المهم ألا يقتصر توجه الطلاب على مجالات محدودة تكاد تكون معدومة فرصها، بل يجب توجيههم نحو تخصصات تخدم سوق العمل وتفتح لهم أبواب المستقبل بشكل أفضل.
حل هذه المشكلة يتطلب دراسة واقعية وشاملة تشارك فيها الجامعات والخريجون وأصحاب العمل، لتحديد الفجوة بين التخصصات الأكاديمية وفرص العمل الفعلية. ويجب أن تشمل هذه الدراسة:
معرفة التخصصات المطلوبة فعلًا في سوق العمل على المدى القريب والبعيد.
تقديم خيارات بديلة للخريجين في تخصصات جديدة ومطلوبة، دون المساس بحرية الطالب في اختيار ميوله وقدراته.
ربط المناهج الأكاديمية بالمهارات العملية المطلوبة في سوق العمل.
فتح قنوات للحوار المستمر مع الخريجين لتقييم مدى تأثير التخصصات الحالية على فرصهم الوظيفية.
إن الهدف هو أن يجد كل خريج فرصة حقيقية لممارسة تخصصه أو العمل في مجال يرتبط بمهاراته ومعرفته، بدلًا من الانتظار الطويل أو الشعور بالإحباط. التعليم ليس فقط للحصول على شهادة، بل لتجهيز شباب الوطن ليكونوا عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في التنمية الوطنية.
حين نربط بين التخصصات الجامعية وفرص العمل الفعلية، ونفتح آفاقًا جديدة للتوظيف خارج التخصصات التقليدية والمزدحمة، نكون قد منحنا شبابنا وبناتنا فرصة حقيقية لبناء مستقبلهم، وللمجتمع فرصة الاستفادة من طاقاتهم ومواهبهم بأفضل شكل ممكن.
في النهاية، هذه قضية تحتاج إلى اهتمام جاد من صانعي القرار، لتكون الجامعات ليست فقط أماكن لإصدار الشهادات، بل محركات حقيقية لتوظيف المعرفة وربطها باحتياجات المجتمع، وضمان أن لا يبقى أي خريج أو خريجة خلف جدار الانتظار الطويل بلا فرصة لمستقبلهم.
*بقلم /محمد عمر حسين المرحبي*


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com