المقالات

*كبار السن ومعاناة الضمان الاجتماعي: بين ازدواجية المعايير والحاجة إلى الحلول*

في مجتمعنا، يظل كبار السن هم الفئة الأضعف التي تحتاج إلى رعاية خاصة واهتمام مباشر، فهم الذين أفنوا أعمارهم في خدمة أوطانهم وأسرهم، ولم يعد لهم في هذه المرحلة من العمر إلا كفاف العيش وراحة البال. لكن الملاحظ أن كثيراً منهم باتوا يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على استحقاق الضمان الاجتماعي، بسبب ما يمكن وصفه بازدواجية المعايير في إجراءات الاستحقاق.

فالواقع يشهد أن أعداداً ليست قليلة من كبار السن، بل وحتى من الأرامل والمطلقات، تم استبعادهم من قوائم الدعم لأسباب يصعب فهمها. منهم من يعيش في قرى نائية أو أطراف مدن ومحافظات، ومنهم من يسكن في منازل متواضعة لا يملكون لها صكوك استحكام، بينما عدادات الكهرباء مثبتة بأسمائهم وتشهد على وجودهم الفعلي في مساكنهم. ومع ذلك، يُلزمون بتقديم عقود إيجار لا يملكونها، ويُطلب منهم الدخول في تحديثات تقنية معقدة يعجز الكثير منهم عن إتمامها.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: إذا لم يكن الباحث الاجتماعي قد قام بزيارة هذه الحالات على أرض الواقع وتوثيق معاناتهم، فما جدوى تحديد مواعيد الزيارات المنزلية؟ أليست مهمة الباحثين الاجتماعيين أن ينقلوا الصورة الحقيقية للمستفيدين، ويثبتوا أحقيتهم بعيداً عن الأوراق والإجراءات التي قد تُقصي المستحق دون وجه حق؟

إن ما يحتاجه هؤلاء المواطنون ليس المزيد من الاشتراطات، بل آلية ميدانية أكثر إنصافاً وواقعية. والحل يكمن في تكثيف الزيارات المنزلية وتوسيع صلاحيات الباحثين الاجتماعيين ليكونوا عين الوزارة على الفئات المستحقة، مع فتح المجال أمام الشباب والشابات المتطوعين لدعم جهود الباحثين، دون المساس بحقوق الناس أو تأخير صرف استحقاقاتهم.

إن إعادة النظر في بعض الشروط، مثل إلزامية عقود الإيجار أو صكوك الاستحكام، أصبح ضرورة ملحّة. فهناك بدائل أكثر عدلاً ومرونة، مثل الاكتفاء بإثبات وجود السكن عبر عداد الكهرباء أو عبر إفادة من الجيران الموثوقين، وهو ما يحقق الغرض دون أن يحرم كبار السن والمحتاجين من حقوقهم.

في نهاية المطاف، تظل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية هي الجهة القادرة على معالجة هذه القضية بحكمة وعدالة، بما يضمن أن يصل الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين. فالتخفيف عن كبار السن ورعاية المستضعفين هو مقياس حضاري لمجتمع يتكافل أفراده، ويحرص على أن يعيش الجميع بكرامة في جميع مراحل العمر.

بقلم/*محمد عمر حسين المرحبي*


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com