المقالات

*العادات الدخيلة.. بين التقليد الأعمى وسبل الوقاية*

بقلم /محمد عمر المرحبي

شهدت مجتمعاتنا الخليجية والعربية في السنوات الأخيرة تسرب عدد من العادات والتقاليد الغريبة عن هويتنا، حتى أصبح بعض الشباب والفتيات يتباهون بتقليد أنماط العيش الغربية في اللباس، أو الاحتفالات، أو طرق الترفيه، بل قد يتجاوز الأمر إلى سلوكيات لا تتفق مع الشرع ولا مع مروءة العربي وأخلاقه الأصيلة. إن هذا التغير لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتيجة مباشرة لما يُعرض في وسائل الإعلام، وما يُضخ عبر المنصات الرقمية من أنماط حياتية تُصور على أنها رمز للتطور والحرية.

أسباب انتشار الظاهرة
التأثير الإعلامي: إذ تُسلَّط الأضواء على مشاهير الغرب، وتُضخ لهم صورة براقة تجعل المتابع يظن أن السعادة لا تكون إلا بتقليدهم.
ضعف الهوية الدينية والثقافية: حين يغيب عن الناشئة الوعي بتاريخهم وقيمهم، يصبح من السهل أن يذوبوا في أي تيار دخيل.
الفراغ التربوي: فغياب الحوار الأسري، وتقصير بعض المؤسسات التعليمية في ترسيخ الانتماء، يفتح الباب أمام البدائل الأجنبية.
الانبهار بالمظاهر: البعض يظن أن التمدن مرادف للتقليد الغربي، فيغفل عن أن لكل أمة خصوصيتها.
خطورة الظاهرة
الأمر لا يقف عند حدود المظهر أو بعض العادات الاجتماعية، بل قد يتطور ليهدد البناء القيمي للمجتمع كله. فالعادات الدخيلة قد تُفقد أبناءنا الحياء، وتضعف فيهم روح الانتماء، بل قد تُفضي إلى سلوكيات مخالفة للشريعة، فينسلخ المرء من ثوابته دون أن يشعر. كما أن التشبه بالغرب في مظاهره دون وعي يجعل من أجيالنا نسخة مشوهة، لا هم غربيون خالصون ولا هم متمسكون بأصالتهم.
سبل الحماية والمعالجة
1. تعزيز التربية الإيمانية: لا بد أن يُربى الأبناء منذ الصغر على مراقبة الله، والاعتزاز بدينهم، وتذكيرهم بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
2. إحياء القدوة الصالحة: حين يرى الشاب نماذج ناجحة من أبناء مجتمعه تجمع بين الأصالة والتقدم، يقل انجذابه للتقليد الأعمى.
3. تنقية الإعلام المحلي: من الواجب أن يقدم إعلامنا بدائل راقية تُظهر جماليات ثقافتنا وتُشبع حاجات الترفيه والمعرفة بعيداً عن الإسفاف.
4. الحوار الأسري المفتوح: فبدلاً من أسلوب المنع والقمع، يجب أن يُفتح المجال للأبناء للتعبير عما يرونه ويشاهدونه، مع توجيههم بلطف وحكمة.
5. الاهتمام بالمدرسة والجامعة: عبر المناهج والأنشطة التي تُعزز الهوية الإسلامية والعربية، وتُرسخ قيمة الاعتزاز بالوطن.
6. إيجاد بدائل عملية: كتنظيم فعاليات شبابية، ومهرجانات تراثية، ومسابقات فكرية ورياضية، حتى يجد الشباب متنفساً أصيلاً بعيداً عن تقليد الآخرين.
7. غرس روح النقد والوعي: بحيث يتعلم الجيل الجديد أن لا يقبل كل ما يُعرض عليه دون تمحيص، فيُفرق بين ما يتفق مع قيمه وما يناقضها.
كلمة أخيرة
إن مواجهة هذه الظاهرة لا تكون بمجرد التذمر والشكوى، وإنما ببناء حصون داخلية من الوعي والإيمان، وتحصين الأسرة والمجتمع بالعلم والقدوة والإعلام الراشد. نحن أمة لها تاريخها العريق وقيمها الراسخة، ولسنا في حاجة إلى استيراد ما يُشوّه صورتنا أو يُفقدنا توازننا. والواجب أن نحول التحديات إلى فرص لإعادة الاعتبار لثقافتنا، وتقديم نموذج حضاري يجمع بين الأصالة والانفتاح الواعي


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com