المقالات

*حين يتحوّل الفرح إلى عبء: دعوة لتيسير الزواج والرفق بالشباب*

بقلم / محمد عمر حسين المرحبي

-

الزواج سَكينةٌ ومودّة ورحمة، جعله الله عز وجل آية من آياته العظيمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. وهو في أصله ميثاق يقوم على البساطة واليسر، لا على الكلفة والمباهاة. غير أن الواقع اليوم بات مرهقاً للشباب، إذ تحوّل الزواج – الذي ينبغي أن يكون بداية حياة مطمئنة – إلى مشروع مثقل بالديون والالتزامات، لا بسبب المهر وحده، بل بما ترافقه من مظاهر تبذير في القاعات الفارهة، والولائم المبالغ فيها، والحفلات التي تُستنزف فيها أموال طائلة مقابل ساعات معدودة.

وزاد الأمر سوءاً ما تسلّل إلى مجتمعنا من عادات دخيلة لا أصل لها في الدين ولا في العرف الأصيل، مثل إقامة ما يُسمّى بـ”حفلة توديع العزوبية” للعروس بعد عقد القران وقبل أيام من ليلة الزفاف، ثم تليها ليلة أخرى مخصّصة للحناء، وكل ذلك إلى جانب الحفل الرئيس. هذه المناسبات المتكررة لا تضيف للزواج قدراً ولا بركة، بل إنها تُضاعف الأعباء على أهل العروس، وتحوّل الفرح إلى سباق إنفاق مُرهق يثقل الكواهل ويرهق الجيوب.

إن كثيراً من الشباب يقفون اليوم أمام هذا الواقع حائرين؛ فمنهم من يتأخر عن الزواج سنين طويلة لعدم قدرته على تحمّل هذه النفقات، ومنهم من يُقدم على الدين ليجد نفسه أسيراً له سنوات مديدة، يقضي عمره في سداد ما تراكم عليه من أجل ليلة واحدة! وفي المقابل، نجد بعض الأسر التي تحوّلت فيها مناسبة الزواج من سُنّة مباركة إلى ساحة للتفاخر والتسابق الاجتماعي، وكأن قيمة الابنة تُقاس بعدد الحفلات وكثرة المظاهر.

لهذا فإن الواجب اليوم أن نوجّه الآباء والأمهات – وكل ولي أمر – إلى التيسير والرفق. فالرسول ﷺ قال: “خير النكاح أيسره”، ولم يربط بركة الزواج بكثرة الإنفاق، بل بصدق النية وصفاء القلوب. إن المطلوب أن يُختصر الزواج في معناه الحقيقي: عقد شرعي، ووليمة تجمع الأقارب والأحباب والجيران المقربين، دون إسراف ولا تبذير. ومن كان مقتدراً فله أن يزيد ما يشاء، لكن لا يُحمِّل غيره ما لا يطيق.

إننا بحاجة إلى ثقافة اجتماعية جديدة تُعلي من شأن القيم على حساب المظاهر، وتجعل معيار الكرامة والوجاهة في صلاح الدين وحسن العشرة، لا في حفلات دخيلة ولا في فخامة القاعات. ولْيتذكّر الآباء أن ابنتهم لن تسعد بزوج مديون مثقل بالهموم، بقدر ما ستسعد ببيت يسوده الاستقرار، وقلب مطمئن لا ينهشه الدين والضيق.

فلنرأف بأبنائنا، ولنجعل الزواج كما أراده الله: بداية مودة ورحمة، لا بداية رحلة شقاء وأعباء.


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com