المقالات

المرأة والقيود الاجتماعية 

قلم : نور الهدي الجمال

-

كلمات تنقص ولا تصف: “سن اليأس” و”العنوسة” تحت المجهر

حين يصبح اللفظ قيدًا: تفكيك استنقاص المرأة باسم العُرف

المصطلحات التي خُدعت بها المرأة: “سن اليأس” و”العنوسة”.. استنقاص مغلّف بقبولٍ اجتماعي

في كثير من المجتمعات، تسللت إلى الوعي الجمعي مصطلحات تبدو بريئة في ظاهرها، لكنها تحمل استنقاصًا خفيًا ومفاهيم مغلوطة عن المرأة. من أبرز هذه المصطلحات: “سن اليأس” و“العنوسة”. كلمات تُردَّد على الألسن وتُكرَّر في الخطاب الاجتماعي والإعلامي، حتى غدت وكأنها حقائق مسلَّم بها، بينما هي في الحقيقة أحكام مسبقة شوهت صورة المرأة وحاصرتها نفسيًا واجتماعيًا.

 

 

سن اليأس.. هل هو يأس حقًا؟

 

مصطلح “سن اليأس” شُيّد على أساس خاطئ، فهو لا يمت لليأس بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.

في الشريعة الإسلامية، ورد ذكر “اليأس” في عدة الطلاق، وذلك فقط لتحديد وضع المرأة التي انقطع عنها الحيض، ولا يمكنها أن تحيض بعد الآن.

وقد يُصاب بهذا الانقطاع امرأة في العشرين نتيجة ظروف صحية، أو يتأخر لدى أخرى حتى الخمسين. إذًا، لا وجود لرقم سحري محدد لهذا السن، ولا يُعد هذا الانقطاع دليلًا على نهاية دور المرأة أو جدارتها بالحياة أو الحب أو الإنجاز.

 

ما الذي جعل من هذا التحول الطبيعي في جسد المرأة يُقدَّم لها على هيئة “يأس”؟

الجواب ببساطة: ثقافة محبِطة، لا تستند إلى نص ديني ولا إلى رؤية إنسانية. بل نشأت من تصورات اجتماعية اختزلت المرأة في قدرتها على الإنجاب، فإذا انتهت، انتهت معها الأنوثة والجدارة والمكانة!

 

بينما الحقيقة تقول: كثير من النساء ازدهرت حياتهن بعد هذا السن؛ علمن، أنجزن، سافرن، أحببن، وعشن حياة أكثر وعيًا واتزانًا.

 

 

العنوسة.. وصمة من لا شيء

 

أما “العنوسة”، فهي مصطلح آخر لا يقل استنقاصًا.

يُطلق عادة على المرأة التي تجاوزت عمرًا معينًا ولم تتزوج بعد، وكأن الزواج هو الغاية الوحيدة، أو بطاقة “اعتراف مجتمعي” بأنوثتها وقيمتها.

 

الدين لم يربط الزواج بعمر، ولم يُصوِّر تأخّره كعار أو نقيصة.

بل إن القرآن نفسه ذكر نساء لم يتزوجن، وأخريات تزوجن في مراحل متأخرة من العمر، ولم يكن ذلك مدعاةً لأي انتقاص.

 

لكن المجتمع، للأسف، اختزل حياة المرأة في محطة واحدة، وإن لم تصل إليها في الوقت “المتعارف عليه”، جُرّدت من الأمل، وحوصرت بنظرات الشفقة، وكأنها ناقصة أو فاتها القطار.

 

 

من أين أتت هذه المفاهيم؟

 

الحقيقة أن الدين لم يكن يومًا مصدرًا لهذه المفاهيم المحبطة.

بل على العكس، كرّم المرأة في كل مراحل حياتها، شابة كانت أو كبيرة، متزوجة أو عزباء، أمًّا أو لم تُرزق بالأبناء.

ما ترسخ في الوعي النسائي هو نتاج ثقافات مجتمعية مغلوطة، تراكمت بفعل الإعلام، والخطاب الشعبي، والموروثات غير المحققة.

 

 

الخاتمة: آن الأوان لإعادة النظر

 

حان الوقت لأن تتحرر المرأة من أسر هذه المصطلحات، وتُعيد تعريف نفسها بعيدًا عن التوقعات الاجتماعية الضيقة.

فالمرأة ليست “يائسة” إن انقطع عنها الحيض، وليست “عانسًا” إن لم تتزوج، وليست ناقصةً إن لم تنجب.

قيمتها ثابتة، مستمرة، نابضة بالحياة في كل مراحل عمرها.

 

فلنُعد النظر في الكلمات التي نُطلقها، فإن بعض الألفاظ ليست بريئة كما تبدو، بل قد تكون قيودًا ناعمة، تُكبّل أرواحًا كان من حقها تحلق


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com