*خاط* بلدٌ يتوسط تهامة رجال الحَجْر ، ومركز خاط يتبع محافظة المجاردة ، بمنطقة عسير ، وهو بلدٌ قديم ، تدل الشواهد على سُكناه منذ أقدم العصور ، قال عنه الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب : *( خاط واد ساكنه بنو عامر الغورية من الحَجْر ، وبخاط نخلات )* .
ويمر من خاط وادٍ كبير ، يُعد من أخصب وأوسع أودية تهامة الحَجْر ، لذلك يحيط بهذا الوادي من أعلاه في الشرق ، إلى أن يصب في وادي يبه قرب جبل ثربان غرباً ، كثير من العشائر والقرى والمزارع ، وعلى إمتداده الذي يقدّر بخمسين كيلو متر تقريبا ، يسكن فخوذ من قبائل بني عمرو ، وبني شَهْر ، وبارق .
ويعد بلد خاط حلقة وصل بين محافظة النماص في السراة ، ومحافظة المجاردة في تهامة ، من خلال عقبة سِنَان ، وعقبة التوحيد التي فُتحت مؤخرا ، مما عجّل على خاط حركة التطور الحضاري ، يقول الشاعر/ أحمد بن معيض الشهري :
*خاط يا ممشوقة القد أنعمي*
*أرفلي في ثوب عزٍ وأسلمي*
*خاط والأحلام يمضي ركبها*
*ظلُ حكام ٍ وفضل المنعم ِ*
*خاط سوق ورجال خلتها*
*كجبال ٍ ترتقي للأنجم ِ*
*خاط ُ ما خاط ُ سوى أنشودة*
*عندما أنشدها يحلو فمي*
الطبيعة الجغرافية لخاط يجتمع فيها السهول والجبال والأودية والأصدار والأشعاف المطلة عليها من الشرق ، وهذا التنوع يضفي على خاط الجذب السياحي ، وأهم جبال خاط وأعظمها جبل تهوي الأشم ، الذي يقع في الجهة الشمالية لخاط ، ويقف المرء مدهوشاً من عظمة خلق الله في هذا الجبل الصخري العجيب ، ولخصوبة أرض خاط وغزارة مياهها ، تجد الزراعة من اولويات السكان منذ الإستيطان الأول على ضفاف هذا الوادي الخصيب ، حيث تنحدر المياة من أشعاف النماص عبر أودية وشعاب الأصدار إلى خاط ، فما بين قُرى رؤس شري في الحجاز من بلحصين في الجنوب ، إلى شعاب جبل مرير في الشمال ، كلها هذه المسافة تنزل سيولها إلى خاط ، عبر أودية تعد الروافد العليا لوادي خاط ، واهم هذه الروافد التي يتشكل منها وادي خاط : وادي لَحْف ، ووادي قِيَاص ، ووادي حِضْوَه ، ووادي جَبَل ، ووادي نَصِرَه وغيرها ، ويرفد وادي خاط أثناء مسيره مغرباً :وادي السليّل ، ووادي رحبه ، ووادي جُريّه ، ووادي دلوّه ، ووادي أثال ( ثالن) وهذا الأخير يلتقي مع وادي خاط قبيل مصبه في وادي يبه الكبير ، قريبا من جبل ثربان ، والجدير بالذكر ان وادي خاط يعد من أهم روافد وادي يبة ، وقد قامت الدولة بعمل سدين في خاط ، أحدهما على وادي لحف عند بني قيس ، والآخر على وادي جبل عند الأفاقمة ، لحفظ المياة والإستفادة منها .
في أصدار خاط يقع وادي الغيل وأهله آل الدهيس من بني عمرو ، ويعد وادي الغيل من الأماكن الجميلة على مستوى المنطقة الجنوبية ، فقد اشتهر بزراعة أشجار البن والموز البلدي والكادي ، وغيرها من النعم ، لغزارة مياهه ، وموقعه المناسب لزراعة هذه الأصناف ، يقول الشاعر/ الحفظي الشهري :
*لوادي خاط سيري يا قوافي*
*وعُبّي من نمير الغيل ريَّا*
*خذي من موزه ان شئت عذقا*
*ومن اشجاره بُناً طريَّا*
وكان يُقام في بلاد بني عمرو في خاط سوقاً أسبوعياً من أسواق تهامة المشهورة كل يوم أحد ، وكان يقام في موضعين بالتناوب ، شهر في سوق الأحد الأعلى ، وشهر في سوق الأحد الأسفل ، أي بالتناوب بين بلجُبر من تميم ، والشهر الآخر عند بني مد من كعب ، وكانت فعاليات ذلك السوق ، لا تختلف عما كان منتشرا في كافة أسواق الجنوب ، من بيع وشراء ، والمواعظ ، والإصلاح بين الناس ، والمحافل القبلية ، وبعد ان توقف سوق الأحد ، فُتح سوق خميس خاط ، ومن أبرز شعراء خاط في القرن الماضي هم : عِنَان بن أحمد من آل اماشي ، وحمدان بن كُشْمَان من آل شعثاء ، وعبدالله بن سعيّد من بني قيس ، وحسن امشغيبي شاعر الخطوة المشهور ، وقد تغنى بخاط في كثير من قصائده ، ويقول في أحدها :
*يالله في ناوي ٍ ينشي على* *خاط وآرى السيل من لحف يات ِ*
*او تسقّي بلاد الدخن ويزين مدراج اللِعَب والعراضي*
وقد تغنى أغلب الشعراء في خاط واهلها الكرماء ، فهذا الشاعر سحيم بن ملفي الكريمي رحمه الله يقول مادحاً ربعه بني عمرو في تهامة :
*الا ان لي في تهامة ذخيره*
*بخاط المسمى رجال ٍ وديره*
*رجال ٍ تحامي وقوم ٍ مشيره*
*وعن حدنا يزحفون الخطيّه*
ويقول الدكتور عوض بن محمد العمري عندما شاهد البرق يومض على خاط :
*يا بارقاً هُيّجت لما سرى*
*خيّلتُه في مطلعي من شرى*
*فقلت في خاط هما مزنه*
*لمّا سَرى في ليله موقرا*
نكتفي بما ذكرنا ، لأن ديدن هذه الومضات الإختصار ، على الرغم ان لازال هناك كثير من التفاصيل عن بلد خاط لم نذكرها فالحديث عنها شجنٌ لا يقف ، ومعينٌ لا ينضب .
وللجميع أطيب التحايا ؛؛؛
*✍️ أحمد بن عائض الحسيني*