المقالات

أفضل النفقات

د.احمد الشهري

الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه، أما بعد:
فأن من فضائل هذه الشريعة ومحاسنها كثرة سبل الخير، وتنوع أعمال البر التي يتقرب بها كل مؤمن إلى مولاه، غنياً كان أو فقيرًا، قوياً كان أو ضعيفاً، ومن رحمته سبحانه وفضله على عباده أن أغدق عليهم رزقه، ثم خص بعضهم بالغنى ليبلوهم بالشكر، وليتقربوا إليه بالزكاة والصدقات، فتعظم أجورهم، وتطهر أموالهم، و تزكو نفوسهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

والإنفاق في سبيل الله من أفضل وجوه البر، ولهذا الإنفاق وجوه كثيرة تقدر بقدرها، ويفاضل بينها بحسب الأحوال والظروف.

ومن أفضل النفقات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، النفقة على الأهل والعيال والأقربين، فعندما يصرف الرجل ماله على أهله الذين يعولهم، وتجب عليه نفقتهم، من زوجة وأولاد، وغيرهم من الأقارب، صغيرة كانت النفقة أو كبيرة، يريد بتلك النفقة وجه الله وابتغاء مرضاته؛ فإن تلك النفقة تُحسب له عند الله عملا صالحا، وحسنة يثاب عليها ثواب الصدقة، ومن ذلك النفقة على الترفيه، وإسعاد الأسرة بما أباحه الله، وطلبات المدارس، وغير ذلك من النفقات التي قد نغفل كثيرا عن الإحتساب وطلب الأجر من الله عند إنفاقها.

أخرج مسلم في صحيحه، عن عقبة بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها، كانت له صدقة ).
فعلينا الإحتساب وطلب الأجر من الله تعالى عند الإنفاق، وليحذر المسلم من الغفلة وعدم الإحتساب، قال النووي: فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا .
أي: غفل عن النية ولم ينو الاحتساب .

وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك ).
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم هذه النفقات أجراً هو الدينار الذي أنفقته على أهلك، وهذا إذا نوى العبد بهذه النفقة وجه الله سبحانه، والأهل هم الزوجة والأولاد ومن تلزمك نفقتُهم، ويُفهم من الحديث أن الإنفاق على الأهل مقدم على غيره من النفقات عند عدم استطاعة الوفاء بها جميعاً، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري، عن حكيم بن حزام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وابدأ بمن تعول ).

قال ابن تيمية رحمه الله: طلب الحلال والنفقة على العيال باب عظيم لا يعدله شيء من أعمال البر.

وأخرج مسلم في صحيحه، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله )، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم، أو ينفعهم الله به، ويغنيهم؟.

فأفضل النفقة وأولاها هي النفقة على العيال والأولاد الصغار الذين لا يستطيعون التكسب، فتكون هذه النفقة إعفافا لهم عن سؤال الناس، وإغناء لهم عن الذلة والمهانة.

وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً، عن عائشة رضي الله عنها قالت:( جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعَمْتُهَا ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار ).
فانظر كيف كانت الرحمة بالأولاد وإيثارهم على النفس، من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار.
وفي الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار ).
كُنَّ له سترًا مِن النار، لأنه يسترهنَّ في الدنيا بإحسانه إليهنَّ، وتربيتهنَّ، فيستره اللهُ، جزاءً وِفاقًا.

وفي المقابل قد يأثم المرء عندما يبخل ويحبس عمن يملك قوته من الأهل والعيال والعبيد.
ففي صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته.

فالمؤمن يُحسن ظنه بخالقه وينفق ويرجو من الله الخلف والبركة في البقية، فوعد الله حق.

والحمدلله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com