المحليات

الاذاعة التجارية شريك وطني في رحلة التحول

بقلم: د. محمد أبو الجدائل

-

منذ عقود، شكّلت الإذاعة التجارية صوت المجتمع السعودي، تنقل همومه، وتعبّر عن تطلعاته، وتُقدّم له محتوى يتراوح بين المعرفة والترفيه، بلغته ولهجته وأسلوبه. وعلى الرغم من التطور الهائل في الوسائط الرقمية، إلا أن الإعلام المسموع ظل ثابتاً في مكانته، بفضل قربه من الناس، وسهولة وصوله، واستمرارية حضوره في الحياة اليومية.

 

واليوم، في ظل الحراك الوطني المتسارع الذي تقوده رؤية المملكة 2030، لم يعد دور الإذاعة محصورًا في الترفيه، بل أصبحت أداة وطنية مؤثرة في صناعة الوعي، وتعزيز الهوية الثقافية، ونقل إنجازات الدولة إلى المواطن بلغة بسيطة وعميقة في آن.

لقد هيّأت الدولة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ـ حفظهما الله ـ البيئة اللازمة لنمو القطاع الإعلامي، وفتحت الأبواب أمام الاستثمار، وسعت إلى تحديث التشريعات، وتحفيز الابتكار في المحتوى. ومع ذلك، فإن الإذاعة التجارية ــ رغم دورها الوطني ــ لا تزال خارج إطار النقاش الجاد حول مستقبل الإعلام في المملكة.

وربما آن الأوان لطرح السؤال بشفافية:

إلى أين تتجه الإذاعة التجارية في هذا المشهد الإعلامي المتجدد؟

هل سيتم الاكتفاء بكونها “أداة قديمة” تُركت تُصارع التحديات منفردة؟ أم سيتم النظر إليها كمنصة حيوية قادرة على أداء أدوار استراتيجية، إذا ما تم تمكينها ودمجها ضمن رؤية الإعلام السعودي الحديث؟

واقع معقّد… وإمكانات غير مستغلة

من يراقب أداء الإذاعات التجارية في المملكة يلمس بوضوح قدرتها على التأثير والوصول إلى فئات واسعة، خصوصاً في المدن الكبرى والطرق السريعة والمجتمعات الشابة. لكنها في المقابل، تعاني من فجوة تمويلية متزايدة، ناتجة عن اعتماد شبه كلي على الإعلانات التجارية، في وقت يشهد السوق الإعلاني تقلبات شديدة، وتوجّه بعض المعلنين نحو المنصات الرقمية غير المنظمة.

والنتيجة؟ إذاعات تبذل جهداً مضاعفاً للحفاظ على جودتها واستمراريتها، في غياب منظومة دعم واضحة، أو إطار تنظيمي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا القطاع، الذي ليس مرئيًا بما يكفي، رغم عمق تأثيره.

دعوة لحوار شراكة… وليس لطلب دعم

لا تطالب الإذاعات التجارية اليوم بدعم تقليدي أو تمويل مباشر، بقدر ما تدعو إلى إعادة الاعتبار لدورها ضمن منظومة الإعلام الوطني، عبر:

• فتح حوار حقيقي بين وزارة الإعلام والجهات العاملة في القطاع، لتقييم الفرص والتحديات.

• تمكين الإذاعات من الوصول إلى حوافز إنتاج محلي، ودعم في البنية التحتية، وتيسير الشراكات.

• إشراكها في المبادرات الوطنية الكبرى، لا كمجرد منفّذ، بل كصاحب دور وتأثير.

• بناء نماذج مستدامة بالتعاون مع القطاع الخاص، تشجّع على الابتكار والتخصص والتوسّع الرقمي.

 

الإذاعة ليست خيارًا تقليديًا… بل استثمار في التأثير

 

حين تتعامل الدولة مع الإعلام كأداة للتمكين والتأثير، فإن الإذاعة التجارية تُمثّل فرصة حقيقية لتعزيز “القوة الناعمة” للمملكة. فبينما قد تصل منصات رقمية إلى الجمهور بطريقة بصرية، تصل الإذاعة إلى قلوبهم وعقولهم بصوتٍ يعرفونه ويثقون به.

 

في مرحلة تعج بالمحتوى العابر، والتشويش الإعلامي، وطفرة الذكاء الاصطناعي، تبرز الإذاعة بوصفها وسيلة قريبة، موثوقة، وسهلة الاستيعاب، قادرة على نقل الرسائل الوطنية بفعالية، وتعزيز حضور المملكة داخليًا وخارجيًا، بشرط أن تحظى بالرؤية، والاحتضان، والشراكة الحقيقية.

 

ختامًا…

 

لسنا أمام أزمة تمويل، بل أمام فرصة إعادة تموضع.

لسنا في موقف ضعف، بل في موقع جاهزية للمشاركة بفعالية.

والكرة في ملعب من يؤمن بأن الإعلام المسموع جزء لا يتجزأ من مستقبل التأثير الوطني


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com