المقالات

*”ChatGPT: بين العبقرية المصطنعة وسحر المبالغات… حقيقة المارد الرقمي”*

بقلم أ. فؤاد بن عبدالله الحمد

-

هو ليس إنسانًا، ولا آلة تقليدية، ولا حتى محرك بحث. إنه كيان رقمي يثير الدهشة، ويغذي التساؤلات، ويقف عند تخوم الإدراك البشري. البعض يراه عبقريًا خارقًا، والبعض يراه مجرد خوارزمية ذكية تسوّق لبضاعة أكبر من حقيقتها. بين الحماس الزائد والتحذير الحذر… من هو ChatGPT حقًا؟ وما الذي يستطيع – أو لا يستطيع – فعله؟ هذه محاولة للاقتراب من الحقيقة، بعيدًا عن سحر الدعاية وضجيج التوقعات.

 

أولًا: ما هو ChatGPT فعلًا؟

ChatGPT

هو نموذج لغوي ضخم طورته شركة OpenAI، مبني على بنية GPT-4. وظيفته الأساسية هي “توليد اللغة الطبيعية”، أي أنه يتعلم من مليارات النصوص ليقوم بإنتاج نص جديد يشبه ما قد يكتبه البشر. لا يملك وعيًا، ولا نوايا، ولا عواطف حقيقية. لكنه يُجيد المحاكاة، وببراعة تحيّر العقول أحيانًا.

 

ثانيًا: لماذا ينبهر به الناس؟

1. السرعة الفائقة في الرد والإبداع

يعطيك مقترحات، يكتب مقالات، يصيغ تغريدات، يشرح مسائل رياضيات، بل ويؤلف القصص!

2. اللغة الطبيعية التي تشبه البشر

لا تتحدث معه وكأنك تبرمج آلة، بل وكأنك تحاور صديق ذكي ومثقف.

3. التخصيص والذاكرة (في بعض النسخ)

يستطيع أن يتذكّر تفضيلاتك ويكيّف إجاباته بناءً عليها.

 

ثالثًا: الحقيقة المجردة… قدراته وحدوده

 

ليس لديه وعي ولا نية: لا يعلم أنه يجيبك، ولا يشعر بأي شيء، ولا يملك إرادة حرة.

 

يعتمد على الأنماط الإحصائية: هو ليس مفكرًا مستقلًا، بل متنبئ بالكلمة “الأرجح” تاليًا.

 

قد يخطئ بثقة: يمكن أن يُقنعك بمعلومة خاطئة تمامًا، لكن بصياغة ساحرة ومنطق ظاهري مقبول!

 

لا يمكنه الوصول إلى الإنترنت مباشرة (إلا إن تم وصله خارجيًا): معلوماته تنتهي عند تاريخ تدريبه، ما لم يستخدم أدوات محدثة.

 

رابعًا: هل يمكن الاعتماد عليه؟

نعم… ولكن بحذر:

ممتاز كمساعد أولي للبحث، الكتابة، التلخيص، والابتكار.

 

سيئ كمصدر وحيد للمعلومة الدقيقة أو القانونية أو العلمية الحرجة.

 

رائع في إلهامك… لا في اتخاذ القرار عنك.

 

خامسًا: المبالغات التي يجب الانتباه لها.

“ChatGPT يفكر مثلي!”

لا يفكر، بل يتنبأ!

 

“سوف يحلّ مكان البشر!”

ربما في بعض المهام الروتينية، لكنه لا يستطيع أن يكون إنسانًا حقيقيًا، ولا أن يحل محلّ الإبداع العاطفي والبشري الأصيل.

 

“يعرف كل شيء!”

بل يعرف ما تم تدريبه عليه… ولا يفرّق بين صحيح وخطأ إلا بناء على الأنماط.

 

سادسًا: هل هو خطر أم فرصة؟

 

هو كالسكين: في يد الجراح أداة شفاء، وفي يد الجاهل أداة ضرر.

من يُحسن استخدامه، سيضاعف إنتاجيته، ويُحرر إبداعه، ويوفر وقته.

ومن يعتمد عليه بلا وعي، سيتوه في بحر من المعلومات المزيفة أو المضللة.

 

خاتماً يا سادة..

ChatGPT

ليس ماردًا سحريًا، ولا معجزة سماوية، لكنه بلا شك من أعجب ما أنجزته البشرية في ميدان الذكاء الاصطناعي. هو مرآة ذكية تعكس لغة البشر، تحاكيها، وأداة واعدة بين أيديهم، بشرط أن نعرف حدوده قبل أن نُحمله أكثر مما يحتمل.

 

فهل ستجعله خادمك المخلص؟ أم سيدًا يتسلل بهدوء إلى قراراتك؟

السؤال لك… والقرار بين يديك.!


اكتشاف المزيد من صحيفة صوت الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com